كتاب مشكلة الافكار في العالم الاسلامي: كلمة " اقرأ" مزقت الظلمات الجاهلية، وقضت على عزلة المجتمع الجاهلي

مهما يكن من أمر فإن عالم الاشخاص في المجتمع الجاهلي قد انحصر في حجم القبيلة، فيما عالم أفكاره قد تمثل بوضوح في تلك القصائد المتئلقه الشهيرة بالمعلقات، وهو بالإجمال - شأن عالم اشخاصه – عالم محدود يستقي منه الشاعر الجاهلي ابياته البراقه ليشيد بمجد قبيلته وانتصارها في أحد الفصول الملحمية التي حفظتها ذاكرة التاريخ تحت اسم (أيام العرب)، ويتغني بذكر حبيبته، أو يبكي كالخنساء، بطلا هوى، أو يسعى لتخليد اسم كأسم حاتم الطائي لجوده وحسن ضيافته. هكذا كان وجه ذلك المجتمع الجاهلي المنغلق على نفسه والذي كانت تتلاشى على أرباضه حركات المد والجزر التاريخية للأمم العظيمة التي جاورته: الإمبراطورية البيزنطية، والإمبرطورية الفارسية، ومملكة الحبشة في الجنوب. وفجأت اضاءت فكرة في غار، غار حراء، حيث منعزل يقوم فيه متأملا وحمل وميضها رسالة بدأت بكلمة " اقرأ" مزقت هذه الكلمة ظلمات الجاهلية، وقضت على عزلة المجتمع الجاهلي. ورى النور مجتمع جديد متفاعل مع العالم ومع التاريخ. فشرع بهدم ما بداخله من حدود قبلية ليؤسس عالمه الجديد من الاشخاص: حيث كلا أضحى حاملا رسالته، وليبني عالما ثقافيا جديدا تتمحور فيه الأشياء حول الأفكار. في مبدأ الامر، وعندما بدأت عملية اندماج المجتمع الإسلامي في التاريخ تأسس عالم الاشخاص فيه على نموذج أصلي، يتمثل بطائفة الأنصار والمهاجرين المتآخين في المدينة.

مالك بن نبي.. من كتابه: مشكلة الافكار في العالم الاسلامي. ترجمة الدكتور بسام بركة والدكتور احمد شعبو.. صادر عن دار الفكر