في سعية لاقتناص شوارد الحقيقة العالم غوستاف لوبون:يهبط المرء بمجرد انضمامه إلى الجماعة عدة درجات من سلم المدنية
- rmsahnet
- 6 يوليو 2021
- 3 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 4 يوليو
من الكتب الهامة والتي تعتبر مرجعية، نظرا لأنها احتوت آراء علمية خارجة عن المألوف، كتاب "روح الاجتماع" الذي ألفه العالم الفرنسي غوستاف لوبون، ونقله إلى اللغة العربية المترجم احمد فتحي زغلول، ونشرته مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. في هذا الكتاب وضع العالم الفرنسي وجهات نظرة عن الجماعة ومدى تأثيرها الطاحن الطاغي على الفرد، مغردا بعيدا عن سرب كثير من العلماء الذين ناقشوا هذا الموضوع، وقد أوضح في مقدمة الكتاب هذا الجانب عندما قال: "أحاول في البحث في موضوع الجماعات على صعوبته بالوسائل العلمية المحضة، أعني أنني أريد أن أتبع فيه نسقا مؤسسا على قواعد العلم غير ملتفت إلى الآراء والنظريات والمذاهب الجارية مجرى الأمور المسلم بها؛ لأني أرى أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لاقتناص بعض شوارد الحقيقة".
يضع العالم الفرنسي غوستاف لوبون، رؤية، يؤكد خلالها أن الجماعة لها تأثير قوي وماثل على الفرد، قد يصل إلى أن يتجاوز فيه مبادئه وقيمه، في سبيل إرضاء المكون الاجتماعي الذي ينتمي له، هذه الجزئية اوضحها عندما قال: "يهبط المرء بمجرد انضمامه إلى الجماعة عدة درجات من سلم المدنية، ولعله في نفسه كان رجلا مثقف العقل مهذب الأخلاق، لكنه في الجماعة ساذج تابع للغريزة، ففيه اندفاع الرجل الفطري وشدته، وفيه عنفه وقسوته، وفيه حماسته وشجاعته، وفيه منه سهولة التأثر بالألفاظ والصور، مما لم يكن يتأثر به وهو خارج الجماعة، ثم فيه الانقياد بذلك إلى فعل ما يخالف منافعة البديهية ويناقض طباعه التي اشتهرت عنه، وبالجملة فإن الإنسان في الجماعة أشبه بحبة من رمال تثيرها الريح ما هبت"…
يمضي هذا العالم المتوفي في عام 1931م إلى التأكيد أن الجماعة أقل أدراك من الفرد، حيث قال: "نستنتج مما تقدم ان الجماعة دائما دون الفرد إدراكا، ولكنها من جهة المشاعر والأعمال الناتجة عنها قد تكون خيرا منه أو أردأ على حسب الأحوال، والأمر في ذلك راجع إلى الكيفية التي تستفز بها"…
وهنا يوضح أن هذا الجانب تم تجاهله من الكثير من الباحثين والكتاب، وأعطى تفصيل مفيد حول أثر قادة الجماعة في تبني قضايا قد لا تكون صحيحة، ولكنها المادة الدسمة في الكتابات التاريخية، عندما قال: "هذا هو الذي أهمله الكتاب الذين قصروا بحثهم في الجماعات على جهة الشر منها، فإذا صح أن الجماعة شريرة في كثير من الأوقات، فمن الصحيح أيضا أنها شجاعة في أوقات كثيرة أخرى، تلك حال الجماعات التي يستفزها قوادها إلى التقاتل في نصرة الدين أو تأييد المذهب، أو يستحثونها للعمل في سبيل المجد والفخار، فيقودونها بلا تعب وبغير سلاح لتخليص حزب الله من يد الكافرين كما في حروب الصليبيين، أو للذود عن حومة الوطن كما وقع في سنة 1793، نعم ذلك الشجاع لا يقر بشجاعته، ولكنها هي مادة التاريخ، فأنا لو اقتصرنا على تعداد الأعمال العظيمة التي فعلتها الأمم وهي هادئة مطمئنة ما وجدنا من ذلك إلا يسيرا". مع أن هذا الكتاب بات عمره اليوم أكثر من تسعين عاما، إلا أننا نرى في عصرنا الراهن صورة واضحة لما تحدث عنه المؤلف، الأثر المدمر للجماعة على سلوك الفرد، وعلى مبادئه وقيمه، هناك الكثير من الأفراد، الذين حظوا بالعلم والمعرفة والقيم النقية، في عالمنا العربي والإسلامي تم طحنهم تحت نير هلوسة البعض من القادة الذين رفعوا خلالها شعارات الشعوبية أو الدين، ففزعت لهم جماعات معتوهة، باتت هي المكون العام للأفكار والمبادئ. حتى بات هذا الفرد، يتزايد ليصبح مجتمع آخر، لكنه مظلوم ومضطهد ولا سبيل له إلا مسايرة الجماعة المتوحشة النافذة.
لعل ما يهمنا في عالمنا العربي، في هذا الرأي العلمي الذي طرحه هذا العالم قبل نحو تسعين عاما، حول تأثير الجماعة على الفرد؛ الفرد الذي قد يكون متسلحا بالتعليم والثقافة والمعرفة، ويملك القيم الناصعة والمبادئ النقية، متوجها نحو التسامح والانفتاح على الآخر، فيصطدم بمكونه الاجتماعي، أيا كان نوعه، القبيلة، العشيرة، العصبية العرقية، الشعوبية، الطائفة الدينية، ونحوها، فيرتد على أعقابه، ويتنكر لكل هذه المبادئ، وينصاع لمثل وقيم مجتمعه الظالمة، ويصبح في سياقها وتماشي معها. والنماذج في عالمنا العربي متعددة ومتنوعة.
--------- -- - - -
معلومات عن المؤلف، من موقع الموسوعة الحرة: ويكيبيديا
غوستاف لوبون طبيب ومؤرخ فرنسي. عمل في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا. كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا وعني بالحضارة الشرقية. من أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند و"باريس 1884" و"الحضارة المصرية" و"حضارة العرب في الأندلس" و"سر تقدم الأمم" و"روح الاجتماع" الذي كان انجازه الأول. هو أحد أشهر فلاسفة الغرب وأحد الذين امتدحوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية. لم يسر غوستاف لوبون على نهج معظم مؤرخي أوروبا، حيث اعتقد بوجود فضلٍ للحضارة الإسلامية على العالم الغربي. توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
Commentaires