top of page

خورخي لويس بورخيس: يشاء القدير أن أعرض عليك متاهتي حيث لا سلالم تصعد، ولا أبواب تغصب، ولا أروقة متعبة تعبر، ولا جدران تمنعك من السير

  • rmsahnet
  • 6 يوليو 2020
  • 1 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 7 يوليو

يحكى رجال جديرون بالثقة - والله أعلم - أنه كان في الأيام الأولى ملك من جزر بابيلونيا دعا مهندسيه المعماريين وسحرته وأمرهم ببناء متاهة محيرة، دقيقة الصنع إلى درجة أن الشجعان الأكثر حيطة لا يغامرون بدخولها وأن الداخلين إليها ضائعون لا محالة. وأحدث هذا البناء ضجة، نظرا لأن البلبلة والإدهاش عملان من أعمال الله، وليس للبشر فيهما نصيب، وبعد مضي زمن، جاء إلى بلاط ملك بابيلونيا ملك من ملوك العرب، فعمل الأول ( سخرية من بساطة ضيفه) على إدخاله المتاهة، حيث تاه مهانا ومرتبكا إلى حين حلول المساء. وإذا ذاك استدر العربي العون الإلهي، فعثر على الباب ولم تنطق شفتاه بأية شكوى. لكنه قال لملك بابيلونيا بأنه يملك، في جزيرة العرب، متاهة أفضل، وأنه سيريه إياها ذات يوم. ثم عاد إلى جزيرة العرب، فجمع قواده وضباطه وأتلف ممالك بابيلونيا. وقد حالفه التوفيق في ذلك إلى درجة أنه هدم قصورها وقهر سكانها وأسر ملكها نفسه. اركبه فوق جمل سريع وأخذه إلى الصحراء. وبعد مرور ثلاثة أيام وهما راكبان، قال له:" آه يا ملك الزمان وماهية العصر وعدده! لقد أردت لي، ببابيلونيا، أن أضيع في متاهة من نحاس كثيرة السلالم، والأبواب والجدران، والآن يشاء القدير أن أعرض عليك متاهتي حيث لا سلالم تصعد، ولا أبواب تغصب، ولا أروقة متعبة تعبر، ولا جدران تمنعك من السير". ثم فك قيوده، وتركه وسط الصحراء، حيث مات جوعا وعطشا، والمجد للحي الذي لا يموت.

خورخي لويس بورخيس - من كتابه: المرايا والمتاهات - ترجمة: ابراهيم الخطيب - صادر عن دار توبقال للنشر بالمغرب

Comments


دبي، وافي - المكاتب الإدارية

الشروط والأحكام

تواصل معنا

سياسية الخصوصية

الشراكات الاستراتيجية

  • Facebook
  • X

 

© 2025 by Rmsah

 

rmsah logo.png
bottom of page