top of page

القصة غير المروية لنجاح سويسرا

  • rmsahnet
  • 18 يونيو 2020
  • 8 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 7 يوليو

في كتابه المبدع الصادر في عام ١٩٩٠ بعنوان «المزيَّة التنافسية للأمم»، خلَصَ مايكل بورتر — الأستاذ بجامعة هارفرد — إلى الاعتقاد أنه نتيجةً لوَفْرة اليد العاملة الرخيصة، بَدأَت أُسُس المنافسة في معظم مجالات الصناعة تتحوَّل بسرعةٍ نحو استنباط المعرفة واستيعابها؛ ومن ثَمَّ باتَتِ القوةُ التنافُسية للأمم تعتمد على قدرتها على الابتكار والتطوير وزيادة الإنتاجية بالاستناد إلى العناصر الخاصة الفريدة من تاريخها وطابعها، التي تُميِّزها عن الآخرِين.

لم يستشهد بورتر بسويسرا باعتبارها نموذجًا في كتابه الذي يشكِّل دراسةً شاملة لهذا الموضوع، وما كان مخطئًا لو فعل. وفي الواقع إن مفهوم الأمة بصفتها قوةً تنافُسية كان واضحًا في سويسرا منذ أمدٍ بعيد وقبل تطوُّر البيئة العالمية الحديثة؛ ففي أوائل القرن التاسع عشر كان من المُدهش إلى حدٍّ ما أن ينشأ في هذا البلد الصغير وغير الساحلي العديدُ من الشركات التي استطاعت المنافَسةَ على الصعيد العالمي في عددٍ من القطاعات الصناعية. ويصف كتابنا هذا ويحاول أن يُفسِّر كيف قُدِّرَ للشركات السويسرية أن تكون بين الشركات الرائدة في قطاعات النسيج وصناعة الآلات والمواد الكيميائية وعدةِ قطاعاتٍ أخرى منذ بدايات الثورة الصناعية. كما يسعى الكتاب إلى إظهارِ أن هذا النجاح الذي بقيَ صامدًا، أو بالأحرى توسَّعَ باستمرارٍ منذ بدايته وحتى اليوم، يعود الفضلُ فيه بنسبةٍ كبيرة إلى القِيَم الوطنية والثقافة والمؤسسات وتاريخ هذه الأمة؛ ومِنْ ثَمَّ يطرح تساؤلاتٍ حولَ ما إذا كان السويسريون قادرِين على المحافظة على مكانتهم في البيئة العالمية الصناعية الحالية التي تشهد تحوُّلاتٍ سريعة. وإذا كان ذلك ممكنًا، فهل هناك دروس فيما يُسَمَّى «الأسلوب السويسري» يُمكن أن يتعلَّم منها رجال الصناعة وصُنَّاعُ القرار في أماكنَ أخرى؟

ليس هناك أيُّ بلدٍ آخَر بحجم سويسرا استطاع تحقيقَ مثل هذا المستوى العالي من الدخل الفردي مع الحفاظ على توزيعٍ عادل نسبيًّا للمكافآت. ولا يُوجد بلدٌ بحجمه أو يقارب حجمَه يحتلُّ مراكزَ رياديةً في العديد من الصناعات بالرغم من ضغوطات العولمة، كما لا يوجد بلدٌ آخَر من البلدان المتقدمة قد نجح في تجنُّبِ إثقالِ كاهل الأجيال القادمة بالديون أو تغذية الأوهام بين صفوفِ شعبه حول قدرته على تحمُّلِ تكاليفِ التقاعُد والرعاية الصحية. ولا يُوجد بلدٌ آخَر غير سويسرا يشعر فيه المواطنون بأنهم أقوياء، وأنهم على ثقةٍ بأن أصواتهم لها تأثيرُها وقيمتُها.

بدايات متواضعة ذاتَ مرة، قال جان بيار روث، الذي شغل منصب رئيس البنك المركزي السويسري، إن سويسرا تُوِّجت بالنجاح لأنها كانت بلدًا فقيرًا وصغيرَ الحجم. ولا شك أن الخلفية التي ظهر فيها هذا النجاح، أقلُّ ما يُمكن أن يُقال عنها إنها لم تكن خلفيةً واعدة؛ فسويسرا بلد يفتقر إلى المعادن الطبيعية، وفيه مساحاتٌ شاسعة من الأراضي غير الصالحة للزراعة، ولا تُوجد فيها المياه بكمياتٍ وفيرة إلا للاستخدام المنزلي أو الصناعي كالثلج والجليد للاستجمام أو كمصدرٍ للطاقة. وبالرغم من أنها تقع في قلب أوروبا إلا أن طبيعتها الجبلية بقِيَت لمئات السنين تُشكِّل تحديًا مستمرًّا في مجال النقل والمواصلات. أيضًا ليس للبلد رابطٌ مباشِرٌ مع محيطات العالم، وهذا ما يمثِّل عائقًا هامًّا مُقارَنةً بالبلدان الأخرى التي حقَّقَتْ حضورًا عالميًّا وبَسطَت نفوذها الإمبريالي وجَمعَت الثروات من الاستعمار. وعلى العكس، فإن وسائل النقل عبر ممرات جبال الألب أكسبَتْ سويسرا مكانةً استراتيجية مرموقة بين أكبر المناطق التجارية في شمال أوروبا وجنوبها، ولكنها جعلت منها أيضًا هدفًا للطموحات الإمبريالية في البلدان المجاورة التي تفوقها قوةً ومساحةً.

باختصار، كانت سويسرا ولا تزال — من ناحية لغتها وثقافتها وتوجُّهاتها السياسية والدينية — بلدًا مُتنوِّعًا وغير متجانس، وهي مَيزةٌ عادةً ما تتعارض مع مبادئ السلام والسعي لتحقيق الأهداف المشتركة مثل ما حدث في يوغوسلافيا السابقة، وكان عدم التجانس هذا قد تعزَّزَ بقدوم المهاجرِين من ثقافاتٍ مختلفة منذ وقتٍ مبكر، وحوالي ثلث الشعب الحالي هم من المهاجرِين أو من أحفاد المهاجرِين. في الماضي، كان الكثير منهم قد أتَوا لاجئِين سياسيِّين استفادوا من سياسة الحياد التي تعتمدها سويسرا منذ أمدٍ بعيد، أمَّا في الآونة الأخيرة، فقد عكس تدفُّقُ المهاجرين حاجةَ البلاد لليد العاملة.

لقد نجح السويسريون في إيجادِ طرقٍ للتعايش معًا بسلام وانسجام، وبالرغم من حسد الحاسدِين أحسنوا التصرُّفَ طوالَ قرنَين من الزمان؛ ليبقوا في منأًى عن الصراعات العالمية، وثابروا من أجل الحفاظ على استقلالهم وبناءِ قاعدةٍ صناعية قوية.

وهذا التطوُّر لم يتمَّ التخطيط له، ولم تكن هناك «خطةٌ سويسرية عامة» ولا مهمةٌ ثقافية ولا أيديولوجيةٌ معينة أو استراتيجيةٌ شاملة تطوَّرت لِتُصبح صيغةً وطنية للنجاح مفروضةً من قِبَل حكومةٍ قوية. كما لم يكن للبلد أبدًا هيكليةٌ مركزية، ولم يعرف بتاتًا قائدًا ذا تأثيرٍ ساحر كما كان الحال في روسيا على سبيل المثال؛ حيث كان هناك بطرس العظيم الذي قاد مملكته المتخلفة بلا هوادة نحو الحداثة. كما أن المشاريع التي أُقيمت بدافعٍ سياسي في بعض البلدان الأخرى، وشكَّلت في بعض الأحيان قاعدةً لنجاحاتٍ اقتصادية، كانت بالنسبة إلى سويسرا — ولا تزال — صعبةَ المنال. وفي هذا الصدد يُعبِّر جاك هيرتسوج، وهو مهندسٌ حاصل على جائزة بريتزكر للهندسة وشريكٌ في تأسيسِ شركةِ هيرتسوج ودو-مويرون، عن رأيه قائلًا إن النجاح السويسري يعود في جزءٍ منه إلى غياب الرؤية؛ «لأن الرؤية تفرض حواجزَ وتحتاج إلى توجيهات، وهذه أمورٌ لا تتماشى مع قناعة السويسريين في كلِّ ما له علاقة بالأعمال.»

إن التشكيك في جدوى تدخُّل الحكومة في التنمية الصناعية هو تشكيكٌ له مبرراته، فهل كان بإمكان أيِّ هيئةِ تخطيطٍ حكومية أنْ تتنبأ بأن إنقاذ قطاع صناعة الساعات سيتحقَّق بصنع ساعةٍ من البلاستيك «سواتش»؟ أو أن البُن المُعبَّأ في كبسولاتٍ من الألومنيوم «نسبرسو» سيُلاقي نجاحًا عالميًّا؟

سمات النجاح إن النجاح في ريادة الأعمال والصناعة لا يأتي من العدم؛ فهذه المجالات تزدهر في تربةٍ ذات هيكليةٍ سياسية، وثقافةٍ تشمل العديد من العناصر، ولا يمكن لأي عنصرٍ من هذه العناصر منفردًا أن يُفسِّر سبب هذا النجاح، خصوصًا وأنها عناصرُ يتوافر أغلبها في العديد من البلدان الأخرى. غير أن هذه العناصر في سويسرا قد تفاعلَت بطريقةٍ مثمرة آخذةً أشكالًا متعددةً، ولكنها بالرغم من ذلك، تتيح التعرُّف على نماذجَ من النجاح على ثلاثة أصعدة: صعيد الفرد، والمؤسسات، والمنظمات الحكومية أو السياسية.

على صعيد الفرد إن إحدى أهم المجموعات المكوِّنة لأي مجتمعٍ تتألف من رجال الأعمال، على الرغم من أن استعمال كلمة «مجموعة» ربما يعطي فكرةً خاطئة عند الإشارة إلى هؤلاء الأفراد أصحاب النفوذ. إنهم من يبنون المصانع ويُوظِّفون العمالة وينخرطون في التجارة، وهم المسبِّب في تكوين الثروة التي يعتمد عليها المجتمع. والجزءُ الأكبر من هذا الكتاب يصف مُبادَراتِهم ونضالاتهم وإنجازاتهم. وككل البشر، لدى رجال الأعمال سِماتٌ فريدة، ولهم مظاهرُ وأشكالٌ وأحجامٌ مختلفة، لكنْ لديهم صفاتٌ مُشتركة، والدافعُ وراءَ تقدُّمهم يتمثَّل في الجهود الفردية التي يبذلونها من أجل تحسينِ مستوى عيشهم، لكن مُواجَهة التحديات من أجل تغيير الطريقة المُتداوَلة أو المعهودة للقيام بعملٍ ما ليس بالأمر اليسير؛ لأن الروتين والقواعد الراسخة التي يفرضها الوضع القائم، كلها عواملُ تقف سدًّا منيعًا أمام أي تغيير. ولكسرِ هذا السد المنيع وفتح آفاقٍ جديدة تتجاوز الحدودَ الضيقة للروتين، لا بدَّ من وجود مواهبَ خاصةٍ لا تملكها إلا قلةٌ من البشر؛ فالتقدُّم غالبًا ما يعتمد على التجارب والتعلُّم من الأخطاء؛ لذلك لا بد من توافُر القدرة على استيعاب الفشل إذا استدعى الأمر ذلك، كما يجب أن يكون للشخص ما يكفي من الجُرأة للإقدام على المخاطرة وارتكاب هذه الأخطاء وغضِّ الطَّرْف عن آراء الرافضِين، والأهمُّ من هذا كله أن رجل الأعمال يعرف كيف يتغلب على الصعوبات لتحقيقِ ما يصبو إليه.

إن الطرق التي تُؤدِّي إلى تحقيق الأهداف تتنوَّع وتتفاوَت، وكما يبيِّن هذا الكتاب، كان هناك من بين رجال الأعمال السويسريِّين أمثلةٌ عن الاستكشاف الجريء للإمكانيات التكنولوجية من أجل ابتكار مُنتَجاتٍ جديدة كليًّا، مثل: فاليوم لدى شركة روش، والقهوة الفورية لدى نستله؛ وبعضهم صنع مُنتَجاتٍ قديمةً ولكن بطريقةٍ مختلفة وبجودة أفضل، مثل: فنادق سيزار ريتز، أو ساعة سواتش لشركة إس إم إتش، أو آلات تعزيز السمع لشركة فوناك، أو نسبرسو لشركة نستله؛ كما غامَرَ البعض الآخَر لاكتشاف مصدرٍ آخَر لتوريد المواد، أو لإيجاد أسواق جديدة لبيع منتجاتهم، مثل: شركة هولسيم المتخصصة في صناعة الإسمنت، وشركة دي كيه إس إتش للتجارة؛ وفي العديد من الحالات الأخرى، اشترى السويسريون بكل بساطةٍ الابتكاراتِ وتركوا للآخرين مهمةَ القيام بالعمل، مثل: استثمار روش الصائب في «جيننتيك» لتكنولوجيا علم الجينات، أو استثمار نستله في «لوريال». وبصرف النظر عن المنهجية التي اتَّبعوها، فقد كان التدفُّق المتكامل والمتكرر لأنشطة رجال العمال — على مدى فترةٍ طويلة من الزمن وفي العديد من الصناعات — هو الذي رسم معالم الازدهار القوي الذي تعرفه سويسرا اليوم.

ومن المفارقات أن عددًا كبيرًا من أبرز رجال الأعمال في سويسرا لم يكونوا من أصولٍ سويسرية بتاتًا، ويعود جزءٌ كبير من نجاح سويسرا إلى نجاح المهاجرِين الذين لولا وجودهم لَمَا كانت الصناعة السويسرية على ما هي عليه اليوم؛ فهنري نستله كان لاجئًا سياسيًّا من أصولٍ ألمانية، وبراون من شركة براون بوفيري كان من المملكة المتحدة، ونيكولا حايك «رجل سواتش» جاء من لبنان، وزينو دافيدوف كان يهوديًّا من روسيا، وليو شتيرنباخ — مخترع «فاليوم» ومنقذ شركة روش — كان لاجئًا من بولندا، وكان بييترو بيتاريلي إيطاليًّا يجمع البَوْل من مراحيض الراهبات لاستخراج هرمونات الخصوبة لعلاج النساء، وبعد مرور جيلَيْن بات حفيده أغنى مواطنٍ سويسري، وقاد فوز فريق «أللينجي» لعامَي: ٢٠٠٣ و٢٠٠٧ بكأس أمريكا المرموق لسباق المراكب الشراعية الذي تحتدم فيه المنافسة، كما أن والدة روجر فيدرير — أسطورة التنس — من جنوب أفريقيا.

إن نجاح المهاجرِين يعود في جزءٍ منه إلى البيئة التي تُوفِّرها سويسرا، وفي جزءٍ آخَر إلى ذهنية المهاجرِين وطريقة تفكيرهم. وبحكم أن سويسرا بلد صغير الحجم ومتنوع، كان لزامًا عليها أن تمارس انفتاحًا انتقائيًّا تجاه الوافدِين إليها، وأن تُطوِّر فهمهما للثقافات الأخرى، لكن هذا لا يعني أن المهاجرين يلقون ترحيبًا حارًّا من طرف السويسريِّين، بل كما هو الحال في البلدان الأخرى؛ فهم يبقَون موضعَ شكٍّ حتى يُثبِتوا قدراتِهم وجدارتَهم بالثقة، إلَّا أن الفرص كانت متوافرة أمامهم باستمرار، وكان المهاجرون من ناحيتهم يحرصون على بذل قصارى جهدهم لتحسين أوضاعهم في البلد المُضيف؛ ففي بلدهم الأم كان بإمكانهم أن يشغلوا مراكزَ مؤاتية داخل مجتمعٍ معين، وأن ينعموا بقدرٍ أكبر من الراحة ما داموا يحترمون قواعدَ السلوكِ السائد، لكنْ عندما يكونون من المهاجرين، فحتى أسماؤهم تكون غير مألوفة لدى المحليين؛ ولذلك لا توحي بالثقة، وليس لهم أسرةٌ تدعمهم ولا زملاء يعرفونهم منذ مقاعد الدراسة أو في النوادي أو في الأعمال التجارية يمكن أن يشدُّوا أَزْرهم؛ عليهم إذًا الكفاح من أجل البقاء، والطريقةُ الوحيدة المتاحة أمامَهم لكسب الاحترام هي تحقيقُ الإنجازات، ولا فائدةَ لهم من الندم على الماضي، بل يجب أن تكون طاقاتهم كلها مركَّزةً وموجَّهةً نحو المستقبل، وأكثر من ذلك، فإن النجاح التجاري والثراء هما سبيلهم الوحيد لتسلُّق السلم الاجتماعي، ووسيلتهم لتحقيق العيش الكريم؛ وهذا ما يؤكد لهم أن اختيارهم للعيش خارجَ أرض الوطن كان اختيارًا صائبًا.

بالرغم من ذلك، لم تكن سويسرا تروق جميع المهاجرين؛ فهناك مفكِّرون عظماء — مثل: أينشتاين، وإيراسموس، ولينين، وروسو، وباكونين، وتروتسكي — عاشوا في سويسرا، لكنَّ وجهات نظرهم ومواهبهم لم تكن موضعَ تقدير.

قد يكون ما يثير قدْرًا أكبر من الدهشة هو عدد رجال الأعمال السويسريِّين الذين حقَّقوا نجاحاتٍ خارج البلاد؛ كان ريتز أولَ مَن قام بتصدير الخبرة السويسرية في مجال إدارة الفنادق ووضَعَ معاييرَ للفخامة بقِيَت قائمةً بعد رحيله، وبقي اسمه عنوانًا لها؛ ولويس شيفروليه شارَكَ في تأسيس شركة شيفروليه للسيارات؛ وبيتر فوزر شغل منصبَ المدير التنفيذي لأكبر شركة طاقة في العالم هي رويال داتش شيل؛ وجوزيف أكرمان هو مَن قاد بنك ألمانيا خلال الأزمة المالية التي شهدتها بدايات القرن الواحد والعشرين دون مساعدة من الحكومة، ودون الحاجة إلى أموالٍ من الخارج لزيادة رأس المال؛ ويورج باولو ليمان يعد مِن بين الشخصيات الأكثر نفوذًا في البرازيل، وهو أكبر مساهِم في شركة آنهويزر بوش إنبيف. ولا شك أن تدفُّق الطاقات الفكرية والتجارية الخارقة بالاتجاهَين (من سويسرا وإليها)، قد لعب — وما زال — دورًا كبيرًا في القوة الصناعية الفريدة التي تتميز بها سويسرا. إن ما يقارب ثلثَ سكان سويسرا المقيمِين هم من أصولٍ أجنبية، كما أن حوالي ٧٠٠ ألف مواطنٍ سويسري؛ أيْ ١٠ في المائة من مجموع السكان تقريبًا، يعيشون في الخارج.

على صعيد المؤسسات التجارية لطالما تميَّزَ السويسريون بأخلاقياتِ عملٍ عالية، وهذه مَيزةٌ لا تنفرد بها سويسرا، وإنما هي — بلا أدنى شك — شديدةُ الأهمية لنجاح الصناعة. لكن الأكثر ندرةً هو القيمة العالية التي يُولِيها السويسري لاحترافه المهني، وهذه السمة منتشرة بين كافةِ صفوف اليد العاملة في البلاد، ومن بين الأدلة على ذلك، فإن نظام التعليم ما زال يُخصِّص مكانةً محورية للتدريب المهني التقليدي إلى جانب التعليم العالي، ومهما كانت المهنة متواضعةً فإن أصحابها يلقَوْن الاحترام، وبذلك يفخرون بأنفسهم ويشعرون بالكرامة في الأعمال التي يؤدونها، وربما الأكثر أهميةً هو أن المدرِّسين يحصلون على أجورٍ جيدة، ويحظَون بمكانةٍ مرموقة في المجتمع؛ ومن ثَمَّ غالبًا ما يتلقَّى الطلاب دروسَهم على أيدي أساتذةٍ ذوي قدرات وكفاءاتٍ عالية يتميَّزون بالحماس والاندفاع في أداء وظيفةٍ وصَفَها يوهان بيستالوزي — وهو مُصلِحٌ سويسري في مجال التعليم — بأنها: «مِهنةٌ مِن اختيار الرب». كل هذا قد سهَّلَ نشوءَ طبقةٍ وسطى كبيرة ومتعلمة تتعايش بأمان، ولا شك أنها شجَّعتِ اعتمادَ مُقارَبةٍ أكثر اعتدالًا لمفهوم «البقاء للأقوى» الذي يَسُود في مجتمعات الأسواق الحرة.

من مقدمة كتاب: صناعة سويسرية، القصة غير المروية لنجاح سويسرا بقلم المؤلف: آر جيمس برايدنج

آر جيمس برايدنج. هو مؤسِّس وصاحب شركة الاستثمار «نيسانس كابيتال» في زيورخ، وشغل سابقًا منصبَ المدير العام لشركة «تمبيلتون لإدارة الاستثمارات»، ومدير شركة «روتشيلد كوربوريت فينانس». حاز شهادة محاسب قانوني، وكان أحدَ كبار مديرِي شركة «برايس واتر هاوس-كوبرز»، وحاز كذلك شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفرد، ومن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان. كَتب — طَوالَ سنواتٍ عديدة — مقالاتٍ في صحيفة «ذي إيكونوميست» حول القضايا المتعلقة بسويسرا، وشارك الدكتور جيرار شفارتس في تأليف كتاب Wirtschaftswunder Schweiz (أيْ سويسرا معجزة الاقتصاد) الذي نُشِر في سويسرا من قِبَل دار نشر NZZ Libero. وقد انتُخِب زميلًا من طرف مركز التنمية الاقتصادية بجامعة هارفرد في ضوء الأبحاث التي قام بها من أجل كتابة Swiss Made، كما أنه يحمل الجنسيتَين السويسرية والأمريكية.

تعليقات


دبي، وافي - المكاتب الإدارية

الشروط والأحكام

تواصل معنا

سياسية الخصوصية

الشراكات الاستراتيجية

  • Facebook
  • X

 

© 2025 by Rmsah

 

rmsah logo.png
bottom of page